tg-me.com/DHAIF86/1873
Last Update:
يشيع الترويج لنماذج من تلاوات لا تلتزم أحكام التجويد للقرآن على أنها تلاوات جميلة ومؤثرة وغير متكلفة، وقد يُفهم من هذه الأوصاف أن التلاوات المجودة بضد ذلك، وهذا خطأ ينبغي اجتنابه؛ فالتجويد حِلية القراءة وزينتها وحلاوتها، ولا يمكن أن تكون التلاوة المشروعة -التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقل العلماء الثقات الأثبات ابتداء بالصحابة الأجلاء وصولًا إلى قراء عصرنا- موصوفة بشيء يشينها أو ينقص قدرها أو يقلل من شأنها.
قال الإمام ابن الجزري:
(التَّجْوِيدُ هُوَ حِلْيَةُ التِّلَاوَةِ، وَزِينَةُ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حُقُوقَهَا، وَتَرْتِيبُهَا مَرَاتِبَهَا، وَرَدُّ الْحَرْفِ إِلَى مَخْرَجِهِ وَأَصْلِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِنَظِيرِهِ، وَتَصْحِيحُ لَفْظِهِ، وَتَلْطِيفُ النُّطْقِ بِهِ عَلَى حَالِ صِيغَتِهِ وَكَمَالِ هَيْئَتِهِ، مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا تَعَسُّفٍ، وَلَا إِفْرَاطٍ وَلَا تَكَلُّفٍ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ"يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ. وَكَانَ -رضي الله عنه- قَدْ أُعْطِيَ حَظًّا عَظِيمًا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ وَتَحْقِيقِهِ وَتَرْتِيلِهِ كَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَنَاهِيكَ بِرَجُلٍ أَحَبَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْهُ، وَلَمَّا قَرَأَ أَبْكَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وروينا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: "صَلَّى بِنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْمَغْرِبَ بِـ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، وَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ قَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ وَتَرْتِيلِهِ".
قُلْتُ: وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ -تبارك وتعالى- فيمَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مُجَوَّدًا مُصَحَّحًا كَمَا أُنْزِلَ، تَلْتَذُّ الْأَسْمَاعُ بِتِلَاوَتِهِ، وَتَخْشَعُ الْقُلُوبُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ، حَتَّى يَكَادَ أَنْ يَسْلُبَ الْعُقُولَ وَيَأْخُذَ بالْأَلْبَابَ، سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى يُودِعُهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ.
وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا مِنْ شُيُوخِنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُسْنُ صَوْتٍ وَلَا مَعْرِفَةٌ بِالْأَلْحَانِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ جَيِّدَ الْأَدَاءِ، قَيِّمًا بِاللَّفْظِ، فَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَطْرَبَ الْمَسَامِعَ، وَأَخَذَ مِنَ الْقُلُوبِ بِالْمَجَامِعِ، وَكَانَ الْخَلْقُ يَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ، أُمَمٌ مِنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، يَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ مِنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ سَائِرِ الْأَنَامِ، مَعَ تَرْكِهِمْ جَمَاعَاتٍ مِنْ ذَوِي الْأَصْوَاتِ الْحِسَانِ، عَارِفِينَ بِالْمَقَامَاتِ وَالْأَلْحَانِ؛لِخُرُوجِهِمْ عَنِ التَّجْوِيدِ وَالْإِتْقَانِ).
[انظر: النشر (١/ ٦٩٩)].
https://www.tg-me.com/us/ثـمـرات الـمـطـالـعـة/com.DHAIF86
BY ثمرات المطالعة
Share with your friend now:
tg-me.com/DHAIF86/1873