Telegram Group Search
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

وفي هذه الآيات وأشباهها دليل على انه ينبغي للإنسان إن يخاف، ويوجل، ويخشى من زيغ القلب، ويسال الله دائما الثبات، فانه ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه والعياذ بالله.
فنسال الله مقلب القلوب إن يثبت قلوبنا على طاعته، وإن يرزقنا الاستقامة على دينه والثبات عليه.
الآية الثانية: قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: ١٧٣) .

هذه الآية نزلت في الصحابة_ رضي الله عنهم_ حيث حصل عليهم ما حصل في غزوة أحد، مما أصابهم من القرح والجروح الشهداء، فقيل لهم: إن أبا سفيان كان قد عزم على الكرة عليكم، وجمع لكم الناس، فندبهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى ملاقاته ومقابلته، فاستجابوا الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، ووأصيبوا بهذه النكبة العظيمة، فقتل منهم سبعون رجلا استشهدوا في سبيل الله، وحصل للنبي ﷺ ولغيره من صحابته_ رضي الله عنهم_ ما حصل، ومع هذا استجابوا لله وللرسول.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظم (ِ١٧٢الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (آل عمران: من الآية١٧٣)، يعني إن أبا سفيان ومن معه ممن بقي من كبراء قريش جمعوا للنبي ﷺ يريدون استئصاله، ولكن يأبى الله إلا إن يتم نوره.
قيل للصحابة: اخشوا هؤلاء، ولكنهم ازدادوا إيمانا لان المؤمن

تراث | (١‏/٥٤١ • ٥٣٦ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

كلما اشتدت به الأزمات ازداد إيمانا بالله، لأنه يؤمن بان النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسران ولهذا زادهم إيمانا هذا القول وقالوا: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (حَسْبُنَا) أي كافينا في مهماتنا وملماتنا (وَنِعْمَ الْوَكِيل) انه نعم الكافي جل وعلا فانه نعم المولى ونعم النصير.
ولكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به، فانه_ عز وجل_ اكرم الاكرمين وأجود الاجودين، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره، أعانه وساعده وتولاه، ولكن البلاء من بني ادم، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان، ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية.

قال تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) ذهبوا ولكنهم لم يجدوا كيدا، وآبو سفيان ومن معه ولوا على أدبارهم، ولم يكروا على الرسول ﷺ، فكتبت للصحابة رضي الله عنهم_ غزوة من غير قتال. كتبت هذه الرجعة غزوة من غير قتال، قال الله تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: ١٧٤) .
ثم قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: ١٧٥) .
‏(يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم انتم أولياءه، أي: يلقي في قلوبكم الخوف من أوليائه، فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين.
فالشيطان يأتي إلى المؤمن، يقول: أحذر إن تتكلم في فلان، لأنه ربما يسجنكن وربما يفعل كذا وكذا، فيخوفكن ولكن المؤمن لا يمكن

تراث | (١‏/٥٤٢ • ٥٣٧ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

إن يخاف أولياء الشيطان، لان الله قال: (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (النساء: من الآية٧٦) بالنسبة للحق.

فعلى الإنسان إن لا يخاف في الله لومة لائم، وإن لا يخاف إلا الله، ولكن يجب إن يكون سيره على هدى من الله عز وجل، فإذا كان سيره على هدى من الله، فلا يخاف أحدا.
الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: من الآية٥٨) وهو الله عز وجل، اعتمد عليه في أمورك كلها، دقيقها وجليلها، لان الله_ عز وجل_ إذا لم ييسر لك الأمور لم يتيسر لك، ومن أسباب تيسيره، أن تتوكل عليه، لا سيما إذا داهمتك الأمور، وكثرت الهموم، وازدادت الخطوب، فانه لا ملجأ لك إلا الله عز وجل، فعليك بالتوكل عليه والاعتماد عليه حتى يكفيك.
وفي قوله تعالى: (الَّذِي لا يَمُوتُ) دليل على امتناع الموت على الرب عز وجل، قال الله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن: ٢٧)، فالله عز وجل_ لا يموت لكمال حياته، فانه هو الأول الذي ليس قبله شئ، وهو الآخر الذي ليس بعده شئ، ثم انه سبحانه وتعالى_ لا ينام أيضا، لكمال حياته وقيوميته قال الله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة: من الآية٢٥٥) أما الإنس والجن فانهم ينامون ويموتون، وأما الرب_ عز وجل_ فانه لا ينام، لأنه غني عن النوم، أما البشر فانهم في حاجة إلى النوم، لان الأبدان تتعب وتسام وتمل، والنوم راحة عما مضى من التعب، وتجديد نشاط عما

تراث | (١‏/٥٤٣ • ٥٣٨ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

يستقبل من العمل، وأما الله سبحانه وتعالى فلا تأخذه سنة ولا نوم.
وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: من الآية٣) أي: كافيه، فإذا توكلت على الله كفاك كل شئ، وإذا توكلت على غير الله وكلك الله عليه، ولكنك تخذل ولا تتحقق لك أمورك.

وقال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (: ٢» الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (لأنفال: من الآية٤) .
قوله: (إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ) أي: إذا ذكرت عظمته وجلاله وسلطانه، خافت القلوب، ووجلتن وتأثر الإنسان، حتى إن بعض السلف إذا تليت عليه آيات الخوف يمرض أياما حتى يعوده الناس، أما نحن فقلوبنا قاسية، نسأل الله إن يلينهان فانه تتلى علينا آيات الخوف وتمر وكأنها شراب بارد، فلا نتأثر بذلك، ولا نتعظ إلا من رحم الله، نسأل الله العافية.
لكن المؤمن: هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه وخاف.
كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله ارتعد، حتى يسقط ما في يده. (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) (لأنفال: من الآية٢) إذا سمعوا كلام الله_ عز وجل_ ازدادوا إيمانا من وجهين:
الوجه الأول: التصديق بما اخبر الله به من أمور الغيب الماضية والمستقبلة.

الوجه الثاني: القبول والإذعان لأحكام الله، فيمتثلون ما أمر الله به، فيزداد بذلك إيمانهم وينتهون عما نهى الله عنه، تقربا إليه وخوفا منه،

تراث | (١‏/٥٤٤ • ٥٣٩ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

فيزداد أيمانهم فهم إذا تليت عليهم آياته ازدادوا إيمان من هذين الوجهين.
وهكذا إذا رأيت من نفسك انك كلما تلوت القران ازددت إيمانا، فان هذا من علامات التوفيق.
أما إذا كنت تقرا القران ولا تتأثر به، فعليك بمداواة نفسك، لا أقول إن تذهب إلى المستشفى، لتأخذ جرعة من حبوب أو مياه أو غيرها، ولكن عليك بمداواة القلب، فان القلب إذا لم ينتفع بالقران ولم يتعظ به، فانه قلب قاس مريض، نسأل الله العافية.
فأنت يا أخي طبيب نفسكن لا تذهب إلى الناس، أقرا القران فان رأيت انك تتأثر به إيمان وتصديقا وامتثالا فهنئا لك، فأنت مؤمن، وإلا فعليك بالدواء، داو نفسك من قبل إن يأتيك موت لا حياة بعده، وهو موت القلب، أما موت الجسد فبعده حياة، وبعده بعث وجزاء وحساب.
وقوله عز وجل: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) على ربهم فقط يتوكلون! أي: يفوضون أمورهم كلها إلى مالكهم ومدبرهم خاصة، لا إلى أحد سواه، كما يدل عليه تقديم المعمول على عامله، والجملة معطوفة على الصلة، إشارة إلى الاختصاص والحصر، وانهم لا يتوكلون إلا على الله عز وجلن لان غير الله إذا توكلت عليه، فإنما توكلت على شخص مثلك، ولا يحرص على منفعتك كما تحرص أنت على منفعة نفسك، ولكن اعتمد على الله_عز وجل_ في أمور دينك ودنياك.

‏(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) .

تراث | (١‏/٥٤٥ • ٥٤٠ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

يقيمون الصلاة: يأتون بها مستقيمة بواجباتها وشروطها وأركانها، ويكملونها بمكملاتها، ومن ذلك إن يصلوها في أوقاتها، ومن ذلك إن يصلوها مع المسلمين في مساجدهم، لان صلاة الجماعة كان لا يختلف عنها إلا منافق أو معذور، قال ابن مسعود رصي الله عنه: «لقد رايتنا_ يعني مع الرسول عليه الصلاة والسلام_ وما يختلف عنها_ أي عن الصلاة_ إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين، يعني مريض ويحمله رجلان اثنان، حتى يقام في الصف» لا يثنيهم عن الحضور إلى المساجد حتى المرض رضي الله عنهم. أما كثير من الناس اليوم، فانهم علي العكس من ذلك، فتراهم يتكاسلون ويتأخرون عن صلاة الجماعة. ولهذا لو قارنت بين الصلوات النهارية وصلاة الفجر، لرأيت فرقا بينا، لان الناس يلحقهم الكسل في صلاة الفجر من نوم، ولا يهتمون بها كثيرا. (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (البقرة: من الآية٣) أي: ينفقون أموالهم في مرضاة الله، وحسب أوامر الله، وفي المحل المناسب. (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (لأنفال: من الآية٧٤) حقا: توكيد
للجملة التي قبلها، أي: أحق ذلك حقا. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال: من الآية٧٤) نسأل الله إن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه،

تراث | (١‏/٥٤٦ • ٥٤١ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

انه جواد كريم. وأما الأحاديث: ٧٤_ فالأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت انهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك، ومعهم سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا_ وذكروا أشياء_ فخرج عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: «ما الذي تخوضون فيه؟» فاخبروه فقال: «هم الذين لا يرون، ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلي ربهم يتوكلون» فقام عكاشة بن محصن فقال، ادع الله إن يجعلني منهم، فقال: «أنت منهم)
‏) ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله إن يجعلني منهم فقال: «سبقك بها عكاشة» متفق عليه.

تراث | (١‏/٥٤٧ • ٥٤٢ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

‏«الرهيط» بضم الراء: تصغير رهط، وهم دون عشرة انفس. «والأفق»: الناحية والجانب. «وعكاشة» بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها والتشديد افصح. الشرح بعدما ساق المؤلف_ رحمه الله تعالى_ الآيات، ذكر هذا الحديث العظيم، الذي اخبر فيه النبي صلي الله عليه وسلم إن الأمم عرضت عليه، أي: أرى الأمم عليه الصلاة والسلام وأنبياءهم. يقول: «فرأيت النبي ومعه الرهيط» أي: معه الرهط القليل، ما بين الثلاثة إلى العشرة. «والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد» أي: إن الأنبياء_ عليهم الصلاة والسلام_ ليسوا كلهم قد أطاعهم قوهم، بل بعضهم لم يطعه أحد من قومهم، وبعضهم أطاعه الرهط، وبعضهم أطاعه الرجل والرجلان، وانظر إن نوحا عليه الصلاة والسلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يذكرهم بالله، ويدعوهم إلى الله، قال الله تعالى: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (هود: من الآية٤٠)، كل هذه المدة ولم يلق منهم قبولا، بل ولا سلم من شرهم، قال نوح: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح: ٧)، وكانوا يمرون به ويسخرون منه. يقول: «رفع لي سواد» أي: بشر كثير فيهم جهمة من كثرتهم فظننت انهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه» لان موسى من اثر الأنبياء اتباعا،

تراث | (١‏/٥٤٨ • ٥٤٣ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

بعث في بني إسرائيل، وانزل الله عليه التوراة التي هي أم الكتب الإسرائيلية. قال: «ثم قيل لي انظر! فنظرت إلى الأفق فإذا سواد عظيم_ وفي لفظ: قد سد الأفق_ فقيل: انظر الأفق الثاني! فنظرت إليه فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك» فالرسول صلي الله عليه وسلم اكثر الأنبياء تابعا، لأنه منذ بعث إلى يوم القيامة والناس يتبعونه، صلوات الله وسلامه عليه، فكان اكثر الأنبياء تابعا، قد ملا اتباعه ما بين الأفقين. «ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب» أي: مع هذه الأمة سبعون ألفا يدخلون الجنة، لا يحاسبون، ولا يعذبون، من الموقف إلى الجنة بدون حساب ولا عذاب! اللهم اجعلنا منهم. وقد ورد إن مع كل واحد من السبعين ألف سبعين ألفا أيضا. «ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك ... قال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلي الله
عليه وسلم_ يعني لعلهم الصحابة رضي الله عنهم_، وقال آخرون: «لعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء» وكل أتى بما يظن، فخرج عليهم النبي صلي الله عليه وسلم فسألهم عما يخوضون فيه فاخبروه فقال صلي الله عليه وسلم «هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتبون ولا يتطيرون وعلي ربهم يتوكلون» هذا لفظ مسلم وفيه: «لا يرقون» . والمؤلف رحمه الله قال: انه متفق عليه، وكان ينبغي إن يبين إن هذا اللفظ لفظ مسلم فقط دون رواية البخاري، وذلك إن قوله: «لا يرقون»

تراث | (١‏/٥٤٩ • ٥٤٤ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

كلمة غير صحيحة، ولا تصح عن النبي علبه الصلاة والسلام، لان معني «لا يرقون» أي لا يقرؤون علي المرضي، وهذا باطل، فان الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي المرضي. وأيضا القراءة علي المرضي إحسان، فكيف يكون انتفاؤها سببا لدخول الجنة بغير حساب ولا عذاب. فالمهم إن هذه اللفظة لفظة شاذة، وخطا لا يجوز اعتمادها، والصواب: «هم الذين لا يسترقون» أي: لا يطلبون من أحد إن يقرا عليهم إذا أصابهم شئ، لانهم معتمدون علي الله، ولان الطلب فيه شئ من الذل، لأنه سؤال الغير، فربما تحرجه ولا يريد إن يقرا، وربما إذا قرا عليك لا يبرا
المرض فتتهمه، وما أشبه ذلك، لهذا قال لا يسترقون. قوله: «ولا يكتوون» يعني: لا يطلبون من أحد إن يكويهم إذا مرضوا، لان الكي عذاب بالنار، لا يلجا إليه إلا عند الحاجة. وقوله: «ولا يتطيرون» يعني: لا يتشاءمون لا بمرئي، ولا بمسموع، ولا بمشموم، ولا بمذوق، يعني: لا يتطيرون أبدا. وقد كان العرب في الجاهلية يتطيرون، فإذا طار الطير وذهب نحو اليسار تشاءموا، وإذا رجع تشاءموا، وإذا تقدم نحو الإمام صار لهم نظر آخر، وكذلك نحو اليمين وهكذا. والطيرة محرمة، لا يجوز لاحد إن يتطير لا بطيور، ولا بأيام، ولا بشهور، ولا بغيرها، وتطير العرب فيما سبق بشهر شوال إذا تزوج الإنسان فيه، ويقولون: إن الإنسان إذا تزوج في شهر شوال لم يوفق، فكانت

تراث | (١‏/٥٥٠ • ٥٤٥ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

عائشة رضي الله عنها تقول: «سبحان الله، إن النبي صلي الله عليه وسلم تزوجها في شوال، ودخل بها في شوال، وكانت احب نسائه إليه» كيف يقال إن الذي يتزوج في شوال لا يوفق. وكانوا يتشاءمون بيوم الأربعاء، ويوم الأربعاء يوم كأيام الأسبوع ليس فيه تشاؤم. وكان بعضهم يتشاءم بالوجوه، إذا راء وجها ينكره تشاءم، حتى إن بعضهم إذا فتح دكانه، وكان أول من يأتيه رجل اعور أو اعمي، اغلق دكانه،
وقال اليوم لا رزق فيه. والتشاؤم، كما انه شرك اصغر، فهو حسرة علي الإنسان، فيتألم من كل شئ يراه، لكن لو اعتمد علي الله وترك هذه الخرافات، لسلم، ولصار عيشه صافيا سعيدا. أما قوله: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فمعناه: انهم يعتمدون علي الله وحده في كل شئ، لا يعتقدون علي غيره، لأنه جل وعلا قال في كتابه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: من الآية٣)، ومن كان الله حسبه فقد كفي كل شئ. هذا الحديث العظيم فيه صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب. فهذه أربع صفات: لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلي ربهم يتوكلون. والشاهد للباب قوله (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) . فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله «ادع الله إن يجعلني منهم»، بادر إلى الخير وسبق إليه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «أنت منهم»

تراث | (١‏/٥٥١ • ٥٤٦ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

ولهذا نحن نشهد الآن بان عكاشة بن محصن_ رضي الله عنه_ يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب، لان الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: «أنت منهم» . «فقام رجل آخر فقال: ادع الله إن يجعلني منهم! قال: سبق بها عكاشة» فرده النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه
رد لطيف، لم يقل لست منهم، بل قال: «سبقك بها عكاشة» . فقيل: لأنه كان يعلم بان هذا الذي قال ادع الله إن يجعلني منهم منافق، والمنافق لا يدخل الجنة، فضلا عن كونه يدخلها بغير حساب ولا عذاب. وقال بعض العلماء: بل قال ذلك من اجل إن لا ينفتح الباب، فيقوم من لا يستحق إن يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، ويقول ادع الله إن يجعلني. وعل كل حال، فنحن لا نعلم علما يقينا بان الرسول صلي الله عليه وسلم لم يدع الله له إلا لسبب معين، فالله اعلم. لكننا نستفيد من هذا فائدة، وهو الرد الجميل من رسول الله صلي الله عليه وسلم، لان قوله: «سبقك بها عكاشة» لا يجرحه ولا يحزنه، وسبحان الله، صارت هذه مثلا إلى يومنا هذا، كلما طلب الإنسان شيئا قد سبق به قيل: سبقك بها عكاشة. أورد بعض العلماء إشكالا علي هذا الحديث، وقال: إذا اضطر

تراث | (١‏/٥٥٢ • ٥٤٧ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

الإنسان إلى القراءة، أي إلى إن يطلب من أحد إن يقرا عليه، مثل إن يصاب بعين، أو بسحر، أو أصيب بجن واضطر، هل إذا ذهب يطلب من يقرا عليه، يخرج من استحقاق دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب؟ فقال بعض العلماء: نعم هذا ظاهر الحديث، وليعتمد علي الله وليتصبر ويسال الله العافية. وقال بعض العلماء: بل إن هذا
فيمن استرقي قبل إن يصاب، أي: بان قال: أقرا علي إن لا تصيبني العين، أو إن لا يصيبني السحر أو الجن أو الحمي، فيكون هذا من باب طلب الرقية لامر متوقع لا واقع، وكذلك الكي. فإذا قال إنسان: الذين يكوون غيرهم هل يحرمون من هذا؟ الجواب: لا! لان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: «ولا يكتوون» أي: لا يطلبون من يكويهم، ولم يقل ولا يكوون، وهو عليه الصلاة والسلام قد كوي اكحل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فسعد بن معاذ الاوسي الأنصاري_ رضي الله عنه_ أصيب يوم الخندق في أكحله فانفجر الدم، والأكحل إذا انفجر دمه قضي علي الإنسان، فكواه النبي صلي الله عليه وسلم في العرق حتى وقف الدم، والنبي صلي الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب. فالذين يكوون محسنون، والذين يقرؤون علي الناس محسنون، ولكن الكلام علي الذين يسترقون، أي يطلبون من يقرا عليهم، او

تراث | (١‏/٥٥٣ • ٥٤٨ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

يكتوون، أي: من يطلبون من يكويهم، والله الموفق. ٧٦_ الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلي الله عليه وسلم حين القي في النار وقالها محمد صلي الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا
وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» رواه البخاري. وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان آخر قول إبراهيم صلي الله عليه وسلم حين القي في النار: «حسبي الله ونعم الوكيل» . الشرح وإبراهيم ومحمد_ علهما الصلاة والسلام_ هما خليلان لله عز وجل. قال الله تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (النساء: من الآية١٢٥)، وقال النبي صلي الله عليه وسلم: «إن الله قد اتخذ خليلا كما أتتخذ إبراهيم خليلا» والخليل: معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية، ولا نعلم إن أحد وصف بهذا الوصف إلا محمدا صلي الله عليه وسلم وإبراهيم، فهما الخليلان. وانك تسمع أحيانا يقول بعض الناس: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، وموسى كليم الله.

تراث | (١‏/٥٥٤ • ٥٤٩ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/06/29 13:36:09
Back to Top
HTML Embed Code: