Telegram Group Search
📑 "الصحيفة السجّادية" وتبيين الرؤية التوحيدية 📑

كما ذكرتُ في الحلقة السابقة فإنّ "الديّن" تكفّل بيان كيفية تجاوز الرؤية المادية القاصرة للأمور وصولاً إلى الرؤية المعنوية التوحيدية.

ومع أنّ هذه المعارف مبثوثة في مواضع مختلفة من الآيات والروايات الشريفة، ولكنّي أُلهمتُ أنْ أستفيد مبدئياً من "الصحيفة السجادية" التي لا يخفى على المطّلع عليها وعلى أدعيتها – مع الاعتراف بغربة هذه الكنوز المعرفية وقلّة اهتمام الموالين بها للأسف الشديد- تطرّقها إلى مفاصل أساسية من حياة الانسان، والمواقف والحالات التي يُواجهها.

ففيها مثلاً يذكر الإمام (ع) بطريقة فريدة عجيبة كيف يجب أن يكون حالنا وتكون رؤيتنا:

مع الأبوين والأولاد والجيران؟ أو مع المبتلين بالذنوب أو أصحاب الدّنيا؟!

في مواجهة اعتداء الظالمين؟ أو الأعداء؟ أو الشيطان الرجيم؟

عند الصباح والمساء؟ أو في جوف الليل؟ أو في شهر رمضان أو الأعياد والمواقف الشريفة؟

في حالات عروض المهمّة والكرب والبلاء والملمّة؟ أو عند الفقر والشدّة والجُهد وتعسّر الأمور؟ أو في أوقات المرض والحزن؟ أو بعد ارتكاب المعاصي والخطايا والذنوب؟

في طلب الحوائج؟ أو لطلب قضاء الديون؟...

⚠️ وسأبدأ إن شاء الله في الحلقة القادمة بشرح "رؤية الإمام (ع) التوحيدية اليومية من الصباح إلى المساء"

#الانسان بين سيرِ عالم الكثرة والسير الأنفسي
📑 الرؤية التوحيدية اليومية من الصباح إلى المساء 📑

ذكرتُ أنّي سأذكر في هذه الحلقة توضيح الإمام السجّاد (ع) للصورة التوحيدية التي ينبغي أن تكون حاضرة في وجودنا في كلّ يوم من الصباح إلى المساء.

فبعد أن يحمد الإمام (ع) الله تعالى على خلق الليل والنهار بقوّته والتمييز بينهما بقدرته... إلى غيرها من التفاصيل المادية المعلومة المشهودة:

ككون الليل: محلّ السكن من حركات التعب، وموضع الراحة والنوم، واللذة والشهوة.
وكون النهار: محلّ العمل والارتزاق والسفر وقضاء الحوائج...

يؤكد أنّ الهدف من هذا الخلق المادي هو ابتلاء واختبار الناس: كيف هم في أوقات الطاعة ومنازل الفروض ومواقع الأحكام؟ {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} وهو عين مفاد الآية القرآنية {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.

ثمّ يُذكّر الإمام (ع) نفسَه ومَنْ نَهَلَ من بحر معارفه: أنّه تعالى هو من فَلَقَ الإصباح وأمتعنا بضوء النهار، وبصّرنا به مطالب الأقوات والأرزاق، ووقانا به من طوارق الآفات.

فمن أرادَ من أولياء الله تعالى أن يُصبحَ، فليُصبح موقناً بأنّ الأشياء كلّها بجملتها لله تعالى (السماء والأرض وما فيهما)، وأننا جميعاً في قبضته يحوينا ملكه وسلطانه وتضمّنا مشيّته.

إنْ تَصَرَّفْنَا تَصَرَّفْنَا عن أمره، وإنْ تقلّبنا تقلبنا في تدبيره، ليس لنا من الأمر إلّا ما قضاه، ولا من الخير إلّا ما أعطاه.

ثم يُنبّه الإمام (ع) أنّ علينا في هذا اليوم الحادث الجديد أن نبتعد عن ارتكاب الذنوب والمعاصي ونملأه بالحمد والشكر والأجر والعمل الصالح...

بل يدعو الله تعالى أن يوفقه في كلّ ساعة من الساعات إلى حظٍ من العبادة أو نصيب من الشكر وإلى استعمال الخير وهجران الشرّ وشُكر النّعم واتّباع السُنن ومجانبة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الإسلام وانتقاص الباطل وإذلاله ونصرة الحق وإعزازه...

إلى آخر المعارف الجليلة الواردة في الدعاء.

⚠️ وعليه، فإنّ الإمام (ع) بيّن في هذا الدعاء:

الرؤية التوحيدية اليوميّة: التي ينبغي أن تُصاحب الإنسان اليقظ المراقب الذاكر لله تعالى، فهو لا يرى فاعلاً إلّا الله تعالى، ويرى كلّ فعل وخلق صادرٌ عن أمره وقدرته وحكمته ومشيئته، بل يؤكد أنّا عبيدٌ في مملكته وخاضعون لمشيئته ومتقلّبون في مواضع صنعه وتدبيره...

التكاليف العملية العامّة المطلوبة منّا في كلّ يومٍ من الأيام بعد الانطلاق من الرؤية التوحيدية: العبادة والحمد والشكر وفعل الخير وهجران الشر واتباع السُنن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحفاظ على الإسلام ونُصرة الحق ومواجهة الباطل وخدمة الخلق.

#الانسان بين سيرِ عالم الكثرة والسير الأنفسي
◾️ العنوان: الطريق لكسب محبة الإمام (عج)
◾️ المصدر: كتاب "سمات المنتظرين" للشيخ حبيب الكاظمي حفظه الله تعالى

ورد عن الإمام عليه السلام في التوقيع الشريف: "فَلْيَعْمَلْ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ بِمَا يَقْرُبُ بِهِ مِنْ مَحَبَّتِنَا، وَيَتَجَنَّبُ مَا يُدْنِيهِ مِنْ كَرَاهَتِنَا وَ سَخَطِنَا"

إنّ الأئمة (ع) هم الدعاة إلى التوحيد والعبودية، ولا يُمكن للعبد التعويل على شفاعتهم من دون أن يحقق القابلية لذلك، كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَّ شَفَاعَتَنَا لاَ تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاَةِ"

وعليه فإنّ الطريق لكسب محبة الإمام (عج) لا يكون بالتمنّي وإنّما باقترانه أيضاً بالعمل، ليكون صادقاً حينئذ في دعواه

وبمقدار ما يشتدّ جانب العمل من العبد، فإنّه تتحقق له الحظوة عند مولاه، والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران: 31)
◾️ العنوان: تجلّيات اللّـه لا تحصل إلّا في ظل هدوء النفس
◾️ المصدر: كتاب "سبيل الفلاح" للعلامة السيّد محمد حسين الطهراني (رض)

بناءً على هذا، طريق السير والسلوك هو من أجل هدوء النفس؛ لأنّ تجليات الله لا تكون إلّا في ظلّ هدوء النفس، {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

إنَّ موجودات العالم تدعو الإنسان إلى نفسها، وكلّ موجودٍ يُلقي الإنسان في التمريج والتشويش والاضطراب ويجعل خواطره قلقةً ومضطربةً وحزينةً، وفي بعض الأحيان تتغلّب الخواطر على الإنسان وتجرّه نحوها

والقلب يطمئن فقط بذكر الله، فيدفن جميع ذلك في مقبرة النسيان، فلا يعود لخاطرةٍ أو فكرةٍ أو خيالٍ من وجود، ولا شيء من ذلك أبدًا؛ لأنّ القلب قد اطمئن بذكر الله، وترسّبت قاذورات النفس تلك وتحجّرت

وذلك كلّه بواسطة السكوت، ولذا فإنّ أحد الدساتير (أي البرامج السلوكية) هو السكوت.
📹 الشيخ جعفر الناصري حفظه الله تعالى يتحدّث عن الذكر اليونسي ({لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}) الذي استعان به النبي يونس عليه السلام للنجاة من سجن الحوت والظلمات التي بعضها فوق بعض.

ويؤكّد أنّنا كلنا سجناء دار الدّنيا وحبيسي ظلماتها الكثيفة، فلا بدّ لنا من الاستعانة أيضاً بنفس ذلك الذكر لنجاة أنفسنا، وهو السبب في تأكيد أهل البيت عليهم السلام والأولياء العظام عليه (عبر التأكيد على المداومة على "السجدة اليونسية")
◾️ العنوان: أهمّ وأسمى المعارف كامنةٌ في هذا الدعاء!!
◾️ المصدر: "الدعاء من كلمات السيّد علي الخامنئي دام ظلّه" للشيخ علي المسترشد

إنّ أهمّ وأسمى المعارف كامنة في أقوال هذا الإمام (الحسين عليه السلام)، فلو نظرتم في دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة، ستجدون أنّه كـ "زبور" أهل البيت عليهم السلام، وهو مليءٌ بالنغمات البليغة والعشق والإخلاص للمعارف

وعندما ينظر الإنسان إلى بعض أدعية الإمام السجّاد (ع) ويقارنها بأدعية الإمام الحسين (ع) يرى وكأنّ أدعية الابن شرحٌ وتوضيحٌ وبيانٌ لدعاء الأب، أي أنّ دعاء الأب هو الأصل ودعاء الابن فرعه

فدعاء عرفة العجيب والشريف وخطب الإمام يوم عاشوراء وفي غير عاشوراء تحتوي على معنى وروح عجيبة، وهي بحرٌ زخّارٌ من المعارف السامية والرفيعة والحقائق الملكوتية التي قلّ نظيرها في آثار أهل البيت (ع)

لشخصية الإمام الحسين (ع) الألمعية والباهرة بُعدان:

1️⃣ بُعدُ الجهاد والشهادة والإعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ، وسيبقى هذا الإعصار -على ما يتّسم به من بركات- مدوّياً على مدى الدهر، وأنتم مطّلعون على هذا البُعد الأوّل.

2️⃣ أمّا البُعد الآخر فهو بُعدٌ معنوي وعرفاني، ويتجلّى هذا البُعد في دعاء عرفة بشكل واضح وعجيب.

وقلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة والحرقة والانسياق المنتظم في التوسّل إلى الله والابتهال إليه والفناء فيه، إنّه حقّاً دعاء عظيم.

ثمّة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجاديّة عن نجل هذا الإمام العظيم، كنتُ في وقتٍ أقارن بين هذين الدعاءين.

فكنتُ أقرأ أوّلاً دعاء الإمام الحسين، وأقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجاديّة، وقد تبادر إلى ذهني مرّات عديدة أنّ دعاء الإمام السجاد (ع) يبدو وكأنّه شرحٌ لدعاء يوم عرفة

فالأوّل -أي دعاء الحسين عليه السلام في يوم عرفة- هو المتن، والثاني شرح له، وذاك أصلٌ وهذا فرع.

دعاء عرفة دعاءٌ مذهلٌ حقّاً، وفي خطابه (ع) الذي ألقاه على مسامع أكابر شخصيات عصره وأكابر المسلمين التابعين في منى، تجدون نفس تلك النغمة والنفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة.
◾️ العنوان: جرّبوا أنفسَكم وراقبوها!!
◾️ المصدر: كتاب "نفحات الرحمن في منازل العرفان" ج 3 للسيّد أبو القاسم الديباجي حفظه الله تعالى

وفي إطار قوله تعالى في كتابه الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ...} إلى قوله تعالى: {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا...} (النساء: 135)

وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} (المائدة)

كان سيّدنا الأستاذ الحكيم العلّامة الطباطبائي (طيّب الله ثراه وأفاض علينا من بركات تربته) يقول لتلامذته:

"جرّبوا أنفسَكم وراقبوها لتعرفوا إنْ كانت في الحقيقة عدوّة لكم، ونزواتها تميل بكم عن الحقّ إلى الباطل أم لا؟!"

على سبيل المثال، حينما يصدر ممّن ترونه عدوّاً لكم عملٌ حسنٌ أو قولٌ معروفٌ أو تجدوا فيه خصلة محمودة، هل تقبلون منه ذلك وتُثنون عليه وتستحسنونه عدلاً منكم وإنصافاً؟!

أم تبغضونه وتذمّونه وتعدّونه باطلاً وإنْ كان حقّاً؟! بغضاً له أو وحشة منه أو عصبية ضدّه!!

ومن جهة أخرى، حينما يصدر من قريب لكم أو ممّن ترونه صديقاً لكم عملٌ سيءٌ أو قولٌ منكر أو تجدوا فيه خصلة مذمومة أو خيانة مشهودة، هل ترفضون ذلك منه وتستنكرونه؟!

أم تستحسنونه وتعدّونه حقّاً ومعروفاً؟! وإنْ كان في واقع الأمر باطلاً ومنكراً، توقيراً له أو خوفاً منه أو طمعاً في التقرّب إليه!!

إنّ منشأ إقامة حكومة العدل والإنصاف في النفس، والحكم فيها بالحق، وعدم الميل بها عن الحق، ليس إلّا الخوف من النفس وطغيانها وانحرافها عن الجادّة السويّة، والذي بدوره يؤدّي إلى الخوف من الحَكَم العدل وهو الله سبحانه وتعالى.
2024/06/19 02:22:10
Back to Top
HTML Embed Code: