Telegram Group Search
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

٧١_ الثالث: عن أبي مسعود رضي الله عنه إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول: اللهم أني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني» رواه مسلم الشرح من الأحاديث التي أوردها المصنف_ رحمه الله_ في باب التقوى هذا الحديث: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعوا الله_ عز
وجل_ بهذا الدعاء: «اللهم أني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني» . «الهدي» هنا بمعني العلم، والنبي صلي الله عليه وسلم محتاج إلى العلن كغيره من الناس، لان الله سبحانه وتعالى قال له: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: من الآية١١٤) . وقال الله له: (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (النساء: من الآية١١٣)، فهو عليه الصلاة والسلام محتاج إلى العلم، فيسال الله الهدي. والهدي إذا ذكر وحده يشمل العلم والتوفيق للحق، أما إذا قرن معه ما يدل علي التوفيق للحق فانه يفسر بمعني العلم، لان الأصل في اللغة العربية إن العطف يقتضي المغايرة، فيكون الهدي له معني، وما بعده مما يدل علي التوفيق له معني آخر. وأما قوله: «والتقي» فالمراد بالتقي هنا: تقوي الله عز وجل، فسال

تراث | (١‏/٥٢٨ • ٥٢٣ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

النبي صلي الله عليه مسلم ربه التقي أي: إن يوفقه إلى تقوي الله، لان الله_ عز وجل_ هو الذي بيده مقاليد كل شئ، فإذا وكل العبد إلى نفسه ضاع ولم يحصل علي شئ، فإذا وفقه الله عز وجل، ورزقه التقي، صار مستقيما علي تقوي الله عز وجل.
وأما قوله: «العفاف» فالمراد به إن يمن الله عليه بالعفاف والعفة عن كل ما حرم الله عليه، فيكون عطفه علي التقوى من باب عطف الخاص علي العام، إن خصصنا العفاف بالعفاف عن شئ معين، وإلا فهو من باب عطف المترادفين. فالعفاف: إن يعف عن كل ما حرم الله عليه فيما يتعلق بجميع المحارم التي حرمها الله عز وجل. وأما «الغني» فالمراد به الغني عما سوي الله، أي: الغني عن الخلق، بحيث لا يفتقر الإنسان إلى أحد سوي ربه عز وجل. والإنسان إذا وفقه الله ومن عليه بالاستغناء عن الخلق، صار عزيز النفس غير ذليل، لان الحاجة إلى الخلق ذل ومهانة، والحاجة إلى الله تعالى عز وعبادة، فهو عليه الصلاة والسلام يسال الله عز وجل الغني. فينبغي لنا إن نقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء، وان نسأل الله الهدي والتقي والعفاف والغني. وفي هذا الحديث دليل علي إن النبي صلي الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وان الذي يملك ذلك هو الله. وفي دليل أيضا علي أبطال من تعلقوا بالأولياء والصالحين في جلب

تراث | (١‏/٥٢٩ • ٥٢٤ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

المنافع ودفع المضار، كما يفعل بعض الجهال الذين يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام إذا كانوا عند قبره، أو يدعون من يزعمون أهم
أولياء من دون الله، فان هؤلاء ضالون في دينهم، سفهاء في عقولهم، لان هؤلاء المدعوين هم بأنفسهم لا يملكون لأنفسهم شيئا، قال الله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (الأنعام: من الآية٥٠)، وقال له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) (لأعراف: من الآية١٨٨)، وقال له:) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) (الجن: ٢٢، ٢١) . فالإنسان يجب إن يعلم إن البشر مهما أتوا من الوجاهة عند الله عز وجل، ومن النزلة والمرتبة عند الله، فانهم ليسوا بمستحقين إن يدعوا من دون الله، بل انهم_ اعني من لهم جاه عند الله من الأنبياء والصالحين_ يبرؤون تبرؤنا تاما ممن يدعونهم من دون الله عز وجل. قال عيسي عليه الصلاة والسلام لما قال له الله: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ
لِي بِحَقٍّ) (المائدة: من الآية١١٦)، ليس من حق عيسي ولا غيره إن يقول للناس اتخذوني إلها من دون الله: (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) (المائدة: من الآية١١٧، ١١٦) . فالحاصل إنما نسمع عن بعض جهال المسلمين في بعض الأقطار الإسلامية، الذين يأتون إلى قبور من يزعموهم أولياء، فيدعون هؤلاء الأولياء، فان هذا العمل سفه في العقل، وزلال في الدين. وهؤلاء لن

تراث | (١‏/٥٣٠ • ٥٢٥ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

ينفعوا أحدا أبدا، فهم جثث هامدة، هم بانفهم لا يستطيعون الحراك فكيف يتحركون لغيرهم، والله الموفق. ٧٢_ الرابع: عن أبي طريف عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «من حلف علي يمين ثم راء اتقي الله منها فليأت التقوى رواه مسلم الشرح اليمين هي الحلف بالله عز وجل، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، ولا يجوز الحلف بغير الله، لا بالنبي صلي الله عليه وسلم، ولا جبريل عليه الصلاة والسلام، ولا بأي أحد من الخلق، لقول النبي صلي
الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» . وقال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» فمن حلف بغير الله فهو آثم، ولا يمين عليه، لأنها يمين غير منعقدة،

تراث | (١‏/٥٣١ • ٥٢٦ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

لقول النبي صلي الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد» . ولا ينبغي للإنسان إن يكثر من اليمين، فان هذا هو معني قوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) (المائدة: من الآية٨٩)، علي راء بعض المفسرين، قالوا: واحفظوا إيمانكم: أي لا تكثروا الحلف بالله، وإذا حلفت ينبغي إن تقيد اليمين بالمشيئة، فتقول: والله إن شاء الله، لتستفيد بذلك فائدتين عظيمتين: الفائدة الأولى: إن يتيسر لك ما حلفت عليه. والفائدة الثانية: انك لو حنثت فلا كفارة عليك، فمن حلف علي يمين وقال إنشاء الله لم يحنث، ولو خالف ما حلف عليه، ولكن اليمين التي توجب الكفارة هي اليمين علي شئ مستقبل، أما اليمين علي شئ ماضي فلا كفارة فيها، ولكن إن كان الحالف كاذبا فهو آثم، وان كان صادقا فلا شئ عليه، ومثال هذا لو قال قائل: والله ما فعلت كذا! فهنا ليس عليه كفارة صدق أو كذب، لكن إن كان صادقا انه لم يفعله فهو سالم من الإثم، وان كان كاذبا بان كان قد فعله
فهو آثم. وأما اليمين التي فيها الكفارة فهي اليمين علي شئ مستقبل، فإذا حلفت علي شئ مستقبل فقلت: والله لا افعل كذا، فهنا نقول: إن فعلته فعليك الكفارة، وان لم تفعله فلا كفارة عليك، والله لا افعل كذا، فهذه يمين

تراث | (١‏/٥٣٢ • ٥٢٧ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

منعقدة، فان فعلته وجبت عليك الكفارة، وان لم تفعله فلا كفارة عليك، ولكن: هل الأفضل إن افعل ما حلفت علي تركه، أو الأفضل إن لا افعل؟ في هذا الحديث بين النبي عليه الصلاة والسلام: انك إذا حلفت علي يمين، ورأيت غيرها اتقي لله منها، فكفر عن يمينك، وات الذي هو اتقي. فإذا قال قائل: والله لا اكلم فلانا، وهو مسلم، فان التقي لله إن تكلمه، لان هجر المسلم حرام، فكلمه وكفر عن يمينك، لان هذا اتقي لله ولو قلت: والله لا ازور قريبي، فهنا نقول: زيارة القريب صلة رحم، وصلة الرحم واجبة، فصل قريبك، وكفر عن يمينك، لان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «فراء غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه فليأت الذي هو خير» وعلي هذا فقس والخلاصة إن نقول: اليمين علي شئ ماض لا يبحث فيها عن الكفارة، لأنه ليس فيها الكفارة، لكن أما إن يكون الحالف سالما أو يكون آثما. فان كان كاذبا فهو آثم، وان كان صادقا فهو سالما. واليمين
علي المستقبل هي التي فيها الكفارة، فإذا حلف الإنسان علي شئ مستقبل وخالف ما حلف عليه، وجبت عليه الكفارة، إلا إن يقرن يمينه بمشيئة الله، فيقول إن شاء الله، فهذا لا كفارة عليه ولو خالف. والله الموفق.

تراث | (١‏/٥٣٣ • ٥٢٨ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

٧٣_ الخامس: عن أبي إمامة صدي بن عجلان الباهي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم» رواه الترمذي، في آخر كتاب الصلاة وقال: حديث حسن صحيح» . الشرح كانت خطب الرسول عليه الصلاة والسلام علي قسمين: خطب راتبة وخطب عارضة. فأما الراتبة: فهي خطبة في الجمع والأعياد، فانه صلي الله عليه وسلم كان يخطب الناس في كل جمعة وفي كل عيد، واختلف العلماء_ رحمهم الله_ في خطبة صلاة الكسوف، هل هي راتبة أو عارضة، وسبب اختلافهم: إن الكسوف لم يقع في عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلا مرة واحدة، ولما صلي قام فخطب الناس عليه الصلاة والسلام، فذهب بعض العلماء فذهب بعض العلماء إلى إنها من الخطب الراتبة، وقال: إن الأصل إن ما شرعه النبي صلي الله عليه وسلم فهو ثابت مستقر، ولم يقع الكسوف مرة
أخرى فيترك النبي صلي الله عليه وسلم الخطبة، حتى نقول إنها من الخطب العارضة. وقال بعض العلماء: بل هي من الخطب العارضة، التي إن كان لها ما

تراث | (١‏/٥٣٤ • ٥٢٩ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

يدعوا إلها خطب وإلا فلا، ولكن الأقرب إنها من الخطب الراتبة، وانه يسن للإنسان إذا صلي صلاة الكسوف إن يقوم فيخطب الناس ويذكرهم ويخوفكم كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم. أما الخطب العارضة فهي التي يخطبها عند الحاجة أليها، مثل خطبته صلي الله عليه وسلم حينما اشترط أهل بريرة_ وهي جارية اشترتها عائشة رضي الله عنها_ فاشترط أهلها إن يكون الولاء لهم، ولكن عائشة_ رضي الله عنها_ لم تقبل بذلك، فأخبرت النبي صلي الله عليه وسلم فقال: «خذيها فاعتقيها، واشترطي لهم الولاء، ثم قام فخطب الناس واخبرهم إن الولاء لمن اعتق» . وكذلك خطبته حين شفع أسامة بن زيد_ رضي الله عنه_ في المرأة المخزومية، التي كانت تستعير المتاع فتجدده، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم إن تقطع يدها، فاهم قريشا شانها، فطلبوا من يشفع لها إلى الرسول صلي الله عليه وسلم، فطلبوا من أسامة بن زيد_ رضي الله عنهما_ إن يشفع، فشفع، ولكن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: «أتشفع في حد من حدود الله» ثم قال (
‏(فخطب الناس واخبرهم بان الذي اهلك من كان قبلنا انهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد» وفي حجة الوداع خطب النبي صلي الله عليه وسلم يوم عرفة، وخطب يوم النحر، ووعظ الناس وذكرهم، وهذه خطبة من الخطب الرواتب التي يسن لقائد

تراث | (١‏/٥٣٥ • ٥٣٠ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

الحجيج إن يخب الناس كما خطبهم النبي صلي الله عليه وسلم. وكان من جملة ما ذكر في خطبته في حجة الوداع، انه قال: «يا أيها الناس اتقوا ربكم» وهذه كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (النساء: من الآية١)، فأمر الرسول صلي الله عليه وسلم الناس جميعا إن يتقوا ربهم الذي خلقهم، وأمدهم بنعمه، واعدهم لقبول رسالاته، فأمرهم إن يتقوا الله. وقوله: «وصلوا خمسكم» أي: صلوا الصلوات الخمس التي فرضها الله_ عز وجل_ علي رسوله صلي الله عليه وسلم. وقوله: «وصوموا شهركم» أي: شهر رمضان. وقوله: «وأدوا زكاة أموالكم» أي: أعطوها مستحقيها ولا تبخلوا بها. وقوله: «أطيعوا أمراءكم» أي: من جعلهم الله أمراء عليكم، وهذا يشمل أمراء المناطق والبلدان، ويشمل الأمير العام: أي أمير الدولة كلها، فان الواجب علي الرعية طاعتهم في غير معصية
الله، أما في معصية الله فلا تجوز طاعتهم ولو أمروا بذلك، لان طاعة المخلوق لا تقدم علي طاعة الخالق جل وعلا، ولهذا قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: من الآية٥٩) . فعطف طاعة ولاة الأمور علي طاعة الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم وهذا يدل علي إنها تابعة، لان المعطوف تابع للمعطوف عليها مستقل، ولهذا تجد إن الله جل وعلا قال: (اأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (النساء: من الآية٥٩)، فأتى بالفعل ليتبن بذلك إن طاعة النبي صلي الله عليه وسلم طاعة مستقلة أي: تجب طاعته استقلالا كما تجب طاعة الله، ومع هذا فان طاعته من طاعة الله واجبة، فان النبي صلي الله عليه وسلم

تراث | (١‏/٥٣٦ • ٥٣١ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

لا يأمر إلا بما يرضي الله، أما غيره من ولاة الأمور فانهم قد يأمرون بغير ما يرضي الله، ولهذا جعل طاعتهم تابعة لطاعة الله ورسوله. ولا يجوز للإنسان إن يعصي ولاة الأمور في غير معصية الله ويقول إن هذا ليس بدين، لان بعض الجهال، إذا نظم ولاة الأمور أنظمة لا تخالف الشرع، قال: لا يلزمني إن أقوم بهذه الأنظمة، لأنها ليست بشرع، لأنها لا توجد في كتاب الله
تعالى، ولا في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم، وهذا من جهله، بل نقول: إن امتثال هذه الأنظمة موجود في كتاب الله، موجود في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة انه أمر بطاعة ولاة الأمور، ومنها هذا الحديث، فطاعة ولاة الأمور فيما ينظمونه مما لا يخالف أمر الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم مما أمر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم. ولو كنا لا نطيع ولاة الأمور إلا بما أمر الله تعالى به ورسوله صلي الله عليه وسلم لم يكن للأمر بطاعتهم فائدة، لان طاعة الله تعالى ورسوله مأمور بها، سواء أمر بها ولاة الأمور أم لم يأمروا بها، فهذه الأمور التي أوصى بها النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: تقوي الله، والصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، وطاعة ولاة الأمور، هذه من الأمور الهامة التي يجب علي الإنسان إن يعتني بها، وان يمتثل أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم فيها، والله اعلم.

تراث | (١‏/٥٣٧ • ٥٣٢ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين – آداب عامة ← ٧- باب اليقين والتوكل]

٧- باب اليقين والتوكل
قال الله تعالى: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: ٢٢)، وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: ١٧٤، ١٧٣)، وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان: من الآية٥٨)، وقال تعالى:) وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (إبراهيم: من الآية١١)، وقال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (آل عمران: من الآية١٥٩)، والآيات في الأمر بالتوكل كثيرة معلومة. وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: من الآية٣)، أي: كافية. وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (لأنفال: ٢)، والآيات في فضل التوكل كثيرة معروفة. الشرح جمع المؤلف بين اليقين والتوكل، لان التوكل ثمرة من ثمرات اليقين، فاليقين هو قوة الإيمان والثبات، حتى كان الإنسان يري بعينه ما اخبر الله به رسوله من شدة يقينه، فاليقين هو ثبات وإيمان ليس معه شك بوجه من الوجوه، فيري الغائب الذي اخبر الله_ تعالى_ عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم كأنه حاضر بين يديه، وهو اعلي درجات الإيمان!

تراث | (١‏/٥٣٨ • ٥٣٣ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

هذا اليقين يثمر ثمرات جليلة، منها التوكل علي الله عز وجل، والتوكل علي الله اعاتماد الإنسان علي ربه_ عز وجل_ في ظاهره وباطنه، في جلب المنافع ودفع المضار: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: من الآية٣) . ففي هاتين المرتبتين_ اليقين والتوكل_ يحصل للإنسان مقصده في الدنيا والآخرة، ويستريح ويعيش مطمئنا سعيدا، لأنه موقن بكل ما اخبر الله به ورسوله ومتوكل علي الله عز وجل. ثم ذكر المؤلف آيات في هذا الباب، منها قوله تعالى: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) . الأحزاب: طوائف من قبائل متعددة تألبوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم واجتمعوا علي حربه، وتجمع نحو عشرة آلاف مقاتل من قريش وغيرهم، وحاصروا المدينة، ليقضوا علي النبي صلي الله عليه وسلم، وحصل في هذه الغزوة أزمة عظيمة علي أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالي في وصفها: (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) من شدة الخوف (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) الظنون البعيدة) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) فاقسم الناس في هذه الأزمة العصيبة العظيمة إلى قسمين، بينهما الله_ عز وجل_ في هذه الآيات قال: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) . القسم الأول: قال الله عنهم:) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: ١٢) المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، والذين في قلوبهم مرض من المؤمنين وعندهم نقص في يقينهم،

تراث | (١‏/٥٣٩ • ٥٣٤ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، قالوا: كيف يقول
محمد انه سيفتح كسري ويقصر وصنعاء، وهو الآن محاصر من هؤلاء الناس. كيف يمكن هذا؟ فقالوا:) مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: من الآية١٢) . أما القسم الثاني: المؤمن، قال الله عنهم:) وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (الأحزاب: من الآية٢٢) وانظر إلى الفرق بين الطائفتين، هؤلاء لما رأوا الأحزاب، ورأوا هذه الشدة، علموا انه سيعقبها نصر وفرج، وقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، فسيكون النصر وستفتح ممالك قيصر وكسري واليمن، وهكذا كان ولله الحمد.

والشاهد قوله: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (الأحزاب: من الآية٢٢) وهذا غاية اليقين، إن يكون الإنسان عند الشدائد، وعند الكرب، ثابتا مؤمنا موقنا، عكس من كان توكله ويقينه ضعيفا، فانه عند المصائب والكرب ربما ينقلب على وجهه، كما قال الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) (الحج: من الآية١١) أي على طرف (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج: من الآية١١) .
كثير من الناس ما دام على عافية فهو مطمئن، ولكن إذا ابتلي_ والعياذ بالله_ انقلب على وجهه، فربما يصل إلى حد الردة والكفر، ويعترض على الله بالقضاء والقدر، ويكره تقدير الله، وبالتالي يكره الله_ والعياذ بالله، لأنه كان في الأول لم يصبه أذى ولا فتنة، ولكنه في الثاني أصابته الفتنة فانقلب على وجهه.

تراث | (١‏/٥٤٠ • ٥٣٥ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

وفي هذه الآيات وأشباهها دليل على انه ينبغي للإنسان إن يخاف، ويوجل، ويخشى من زيغ القلب، ويسال الله دائما الثبات، فانه ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه والعياذ بالله.
فنسال الله مقلب القلوب إن يثبت قلوبنا على طاعته، وإن يرزقنا الاستقامة على دينه والثبات عليه.
الآية الثانية: قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران: ١٧٣) .

هذه الآية نزلت في الصحابة_ رضي الله عنهم_ حيث حصل عليهم ما حصل في غزوة أحد، مما أصابهم من القرح والجروح الشهداء، فقيل لهم: إن أبا سفيان كان قد عزم على الكرة عليكم، وجمع لكم الناس، فندبهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى ملاقاته ومقابلته، فاستجابوا الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، ووأصيبوا بهذه النكبة العظيمة، فقتل منهم سبعون رجلا استشهدوا في سبيل الله، وحصل للنبي ﷺ ولغيره من صحابته_ رضي الله عنهم_ ما حصل، ومع هذا استجابوا لله وللرسول.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظم (ِ١٧٢الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (آل عمران: من الآية١٧٣)، يعني إن أبا سفيان ومن معه ممن بقي من كبراء قريش جمعوا للنبي ﷺ يريدون استئصاله، ولكن يأبى الله إلا إن يتم نوره.
قيل للصحابة: اخشوا هؤلاء، ولكنهم ازدادوا إيمانا لان المؤمن

تراث | (١‏/٥٤١ • ٥٣٦ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين]

كلما اشتدت به الأزمات ازداد إيمانا بالله، لأنه يؤمن بان النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسران ولهذا زادهم إيمانا هذا القول وقالوا: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (حَسْبُنَا) أي كافينا في مهماتنا وملماتنا (وَنِعْمَ الْوَكِيل) انه نعم الكافي جل وعلا فانه نعم المولى ونعم النصير.
ولكنه إنما يكون ناصرا لمن انتصر به واستنصر به، فانه_ عز وجل_ اكرم الاكرمين وأجود الاجودين، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره، أعانه وساعده وتولاه، ولكن البلاء من بني ادم، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان، ويعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية.

قال تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) ذهبوا ولكنهم لم يجدوا كيدا، وآبو سفيان ومن معه ولوا على أدبارهم، ولم يكروا على الرسول ﷺ، فكتبت للصحابة رضي الله عنهم_ غزوة من غير قتال. كتبت هذه الرجعة غزوة من غير قتال، قال الله تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: ١٧٤) .
ثم قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: ١٧٥) .
‏(يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي: يخوفكم انتم أولياءه، أي: يلقي في قلوبكم الخوف من أوليائه، فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين.
فالشيطان يأتي إلى المؤمن، يقول: أحذر إن تتكلم في فلان، لأنه ربما يسجنكن وربما يفعل كذا وكذا، فيخوفكن ولكن المؤمن لا يمكن

تراث | (١‏/٥٤٢ • ٥٣٧ من ٣٬٧٨٤) | #شرح_رياض_الصالحين_لابن_عثيمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/06/25 21:40:38
Back to Top
HTML Embed Code: