Telegram Group Search
العبودية نتيجة مباشرة للحضارة. وجود الحضارة في تعارض كلي مع إمكانية تحقق حالة ينعم فيها كل الأفراد بنفس القدر من الحرية. وبعيداً عن الحضارة، في ظل الحالة "الطبيعية" للأشياء، تعتمد الحرية على قدرة المرء وجماعته على التسيد في حرب الكل ضد الكل. المساواة في الحرية في تعارض جوهري مع طبيعة الوجود البشري نفسه، سواء في ظل الحضارة أو في حالة الهمجية الأولى. المثقف الحديث وحده هو الذي يراهن على إمكانية الوصول إلى حالة من التنازلات اللانهائية لأجل تحقيق هذه المساواة، وهو ما يعكس رعونة وغباء لا مثيل لهما. زِد على ذلك أن هذه التنازلات التي يفترض حدوثها، لا تفترض إيماناً بشيء يتعالى على الحالة الطوباوية المحتمل حدوثها مستقبلاً كنتيجة للتقدم البشري، والتي على الأرجح لن ينال منها المستهلك المعاصر لهذه الأحلام شيئاً في ظل حضارة تعرّف وجوده على نحوٍ فردي في المقام الأول. ما يفعله المثقف الطوباوي المعاصر باختصار شديد هو أنّه ينزل البشري إلى حالة القرد الأولية ومع ذلك يراهن على خيريته اللامحدودة، وينتظر أن يتحول هذا القرد إلى يسوع المسيح ويبادل أقرانه محبة لا نهاية لها تصل إلى حد التخلى عن الكينونة الذاتية لأجل الآخرين.
"The inventor has a sense of the future and is therefore a historical being. Mircea Eliade, cited by Simondon, described the recent advent of historical self-awareness in modern societies, explaining why ‘moderns’ prefer invention to adaptation. Invention was forbidden in archaic societies: it upset the cosmic order. Traditional peoples had cosmogonies that told of the birth of the world and the life of the gods. They imitated these mythical narratives. Their acts took on meaning, ‘reality’, only insofar as they repeated the acts long ago performed by the gods or the ancestors. The warrior is brave because the sacred warrior proved his bravery in illo tempore: in the mythical time of origins. Objects and actions derive their value from the fact that they participate in a reality that transcends them. Nutrition is not a simple, physiological operation: it renews a communion. Marriage and orgies alike echo mythical prototypes. ‘They are repeated’, writes Eliade, ‘because they were consecrated in the beginning … by gods, ancestors, or heroes’. The world is the reflection of a higher order: according to Mesopotamian beliefs, the Tigris has its model in the star Anunit and the Euphrates imitates the star of the Swallow. Human constructions respect this transcendent order. When David gives his son Solomon the plans for the temple buildings, the holy of holies and all their utensils, he assures him that ‘all this … the Lord made me understand in writing by his hand’. David did not claim to be inventing something: he was following a celestial model. This existence based on repetition and adaptation to archetypes is not historical. It does not bear the mark of time; it proceeds as if historical time were an illusion, a phenomenon of little interest. The passing days are not a burden. They are simply a backdrop against which is projected the return of a sacred, mythical past. The passing years do not induce melancholy, because the world is reborn with each repetition of the natural cycle. Archaic societies occupy an eternal present. Historical consciousness is revolutionary. It abolishes this cycle of time. Nothing more returns and nothing is repeated: the future is to be invented. Eliade traces this turning point back to Abraham. Beginning with his journey into the desert, history opens like a path. Time becomes linear. Man becomes aware of an eschatology. He is freed from the unchanging certainties guaranteed by the eternal return of the same endlessly repeating cycles. He enters into a new dimension and realizes that he is capable of progress."
نيتشه
تحمُّل الظلم والسكوت عليه بأي حجة من الحجج يورث النفس مذلة ربما لا تعوضها كل الأيام التي تعقب مشقة التحمّل والسكوت. أستنتج من ذلك أنّ الأمل في الشرائح المتوسطة من المجتمع منعدم في كل الأحوال. منزوعو المخالب هؤلاء، الذين يفرطون في نفوسهم، طلبًا للأمان والسكينة، ودفعًا للخطر والأذى، لا يرتجى منهم خير ولا شر، ومن الجرم أن تنسب لهم مَلَكَة الفعل أصلا؛ فهم ليسوا إلا ظلالا لإرادة أعلى تزلزل نفوسهم، وتطمس أحاسيسهم وتُظلِم قلوبهم. أجزم بأن سجون العالم وأزقته المظلمة، التي تأوي من هم بلا مأوى من "الخاسرين" الذين فتكت بهم معارك الحياة، تحتوي طاقة جديرة بالثناء والاهتمام أكثر من تجمعات مسلوبي الإرادة في المقاهي والحانات وأماكن العمل والتنزه.
أرى في ردود الأفعال التي تنفي صفة "الطبيعية" عن بعض سلوكيات البشر وتصرفاتهم غير المألوفة مقياسًا فاصلًا يكشف مدى إدراك المرء لتنوع الحياة ودرايته باختلاف طبائع البشر وأحوالهم. الطريق السهل لرؤية العالم، والأشد تأصلاً في الغريزة، هو مطابقة إدراك الآخر بإدراك الذات، أي افتراض ثبات المؤثرات ووحدتها على البشر جميعًا. وهذه حالة ساذجة تغيّرها خبرات الحياة وتجاربها، وتصقلها المعاناة الناجمة عن إعمال هذه الطريقة في تفسير العالم وأحواله، وتجرّع مرارة أخطائها. خذ مثالًا ذلك المرء الذي نشأ في بيئة صالحة وفق معايير مجتمعه، وحظي من نعمها بقدرٍ وافر حجب عنه ظلمات الأزقة وما تحتويه من كَدٍّ ومشقةٍ، ألا يرى أن من المحال أن تُرى مناقبه بعينٍ تبديها بصورٍ هي الضد المطلق لما ألفته حواسه واعتاده سلوكه؟ تراه يقول في نفسه إن من المحال أن تولِّد أفعاله ردودًا معاكسة للغاية التي تبتغيها أصلًا؛ فلا يمكن لمظهره الحسن أن يُرى من عين أخرى بدلالة تحط من قدره، وليس من الجائز أن يُفسَّر سلوكه الحميد عقل يحوّره عن مقصده. فلا بد للإحسان أن يُعظَّم ويُقابل بمثله، وللجميل أن يُكرَّم ويُحتفى به، والعكس بالعكس. يزعم ذلك بفطرته وهو لا يدري أن هناك عيونًا ألفت ما يعظّمه ويوقّره على حالٍ مناقضٍ لما ألفه. يجهل أن هناك عيونًا ألفت محاسنه في مظهرٍ معادٍ يبعث أحاسيسًا مناقضة، منها ما يكون الضد المطلق في بعض الأحوال. ذلك الغريب "الآخر" الذي تنفر من أفعاله الشاذة وتنسبها إلى عالمٍ غريب لا يمت بصلة لعالمك، هو كمن لم يرَ السكين إلا في يد العدو، فنسب إليها كل ما هو مقيت وبشع، حتى تشكّل في ذهنه عالمٌ آخر مختلفٌ عن عالمك. الأمر هو أن ما اعتدته سلاحًا في يدك ينمي وجودك ويثريه، قد اعتاده الآخر في يد العدو الذي يهدد وجوده ويبعث في نفسه أحاسيس الألم والخطر. تأمَّل مثلًا السكين التي تحملها يدك: في عالمك، هي أداة تنفذ بها صالح الأعمال، ترى فيها أداة تستخدمها للخير، وتقول في نفسك، مثلًا، أنك بدونها لن توفر القوت لأحبائك، وفي المجمل، مدلولها عندك رمزٌ للإبداع والعطاء. أما في عالمٍ آخر لم تبرح فيه السكين يد العدو، فهي ترمز إلى الخوف والتهديد والموت، وتفسّر كأداةٍ تستخدم لقطع الأواصر وسلب الحياة. مِثلُكَ يرى في السكين أداةً للعيش والازدهار، والآخر يراها أداةً للدمار والانهيار. هذا التباين في الإدراك يعكس فجوةً عميقةً بين عالمين، حيث تتشكل الصور والمعاني وفق تجارب وخبرات سطرتها أحداث متنوعة. في ذهنك، تتلألأ السكين ببريق الأمل، وفي ذهن الآخر، تتشح بظلال الرعب.
I explain our instinctive moral feelings in terms of how they relate to the very constitution of our subjectivity, which is significantly shaped by our social history. I also believe that, in the course of our actions, the boundaries of one's moral framework are largely shaped by the influence others have on our sensory and cognitive perceptions, and how these perceptions contribute to our sense of our own subjectivity. External effects provoke reactions that are sometimes relatable to the experiences shaping our understanding of the world, whether consciously or not. The more an external effect resonates with something intrinsic to us and inseparable from our identity, the more likely our moral responses will be kind and polite, or at least, less violent. In this scenario, the influence of others is understood in a manner that is relatable to us. In essence, they are not alien; they are part of us. To the extent that this influencing otherness is comprehended in terms closely relatable to our own selves, our responses cease to be violent and offensive. Even the most obnoxious things cease to be so when the fog of alienation is altered by the exuberance of the rosy-fingered dawn.

Suffering itself can be extremely pleasant when alienation ceases
جرت العادة أن يضع الناس من قدر كل ما لا يبذل جهد في تحصيله. وإنك لترى المال في يد وارث الغنى بلا قيمة، وفيه كل القيمة عند من حصّله بعرق جبينه. وترى الطعام في فم الفقير أشهى منه في فم الغني، إذ أنقصت كثرة حضوره في حياة الثاني قيمته. وترى السلطان عند المتأخرين مجرد لعب ولهو وفيه سبيله أُفنيت حياة الأولين. وترى ساعة الراحة عند من لا يملك وقته ألذ من كل ساعات مالك وقته. وهكذا دواليك. فالشيء في حقيقته لا يفهم ولا يقيَّم إلا في إطار يحدِّد موضعه ودلالته ومعناه، وهو إطار لا يحدَّد بدوره إلا في سياق حياة المرء بأسرها. والعجيب أنك ترى المرء يتمنى امتثال الأمور لكلمته ثم تجده معرضًا عنها و منزلًا من قيمتها ما أن تمتثل له! نسخر من النساء بحجة أنهن لا يعرفن ما يردن، والغالب على جنسنا أنه يريد الشيء ولا يريده في آن الوقت. نريد لذة الطعام والشراب ولا نريد ألم الامتلاء، ونريد فخر التملّك بلا جهد المخاطرة، وشرف المجد بلا عناء المكافحة. ننتزع المضيء من كل شيء ونريده، جهلًا منا بأن تخليص ما نريده مما لا نريده فيه هلاك الاثنين! كل ما أنتجته الإرادة البشرية التي تبتغي إنهاء المعاناة هو تحايل شيطانيّ يهلك العالم والإنسان في آن الوقت، إذ قوة الإرادة آتية من اشتداد النزاع، وسبل تحصيل المراد منطوية على الألم الذي تولَد منه لذه التحقق.
تأتيك اليقظة الحقيقية ما أن تدرك تأصل العدم في طبيعة الوجود، وانطواء كل شيء على ضده. تنتج هذه الحالة حرية راديكالية بالمعنى الذي قصده الوجوديون، أساسها التحرر من وهم تصوراتنا المسبقة عن الأشياء وتركها تسفر عن نفسها بنفسها، وهذا من خلال استيعاب العدم كمكوِّن أساسي في طبيعة الأشياء، مكوّن بدونه لا يمكن لشيء أن يكون.
قدم العهد بالشيء جميل في حد ذاته. أما الحداثة ففيها من القبح ما يحمل النّفس على الاشمئزاز والنفور. كل أفعال الإنسان هي صرخة في وجه الزمان؛ في وجه علّة تفسّخ وانحلال كافة الموجودات. ذاك الزمان الذي يسير بممتطيه وإن لم يسر! كافة الأهواء الطائشة، والنزوات الهوجاء، والأفعال المندفعة، والآراء الفطيرة، وكل ما لم يمتحنه الزمان، ليس أهلًا لأن يُلتفت له: على هذا انعقد اجماع المجتمعات جميعًا. من خلال البديهة - تلك المعرفة التي يجدها الإنسان في نفسه وهو جاهل بعلتها – يسأل الناس عن قدم العهد بالأشياء، فما للزمان من أثر مركوز في نفوسهم. لا عجب في انعقاد الاجماع، وتأطر السلوك، وصقل البديهة، على ألّا يؤبه لقول الشاب كما يؤبه لقول الشيخ، وعلى ألّا يلتفت لفعل الحديث بشيء كما يُلتفت لفعل قديم العهد به، لا عجب في الأثر الذي يبعثه القدم على منزلة الموجودات بين الناس. يضفي القدم جلالًا ومهابًة على الأشياء، وأثر الجميل يتضاعف ما أن نعلم أي منزلة حازها في إمتحان الزمان. كأن في الإنسان ملَكة خاصة بالقدم لا تبررها معطيات الحواس. يظهر لمتأمل صيرورة الوعي أن الوعي منطوٍ على بُعد زماني. ومن الفلاسفة من أقر بأن الوعي نفسي قد أرسي على هاوية الزمان التي لا يسبر لها غور ولا يعرف لها أصل، فنحن لا ندرك الزمان من خلال الإحاطة به، بل ندرك الأشياء من خلال إحاطتها بالزمان. ليس هذا الزمان بوعاء كونيّ صبت فيه الموجودات، وإنما هو هاوية، تظهر من جروف هائرة إن تأملتها وجدتها لا تصلح أساسًا لبنيان يراد له الدوام. تلك الجروف هي مملكة الوجود التي خلقت لمقارعة مملكة الزمان التي لطالما دب ذكرها الرعب في قلوب البشر.
وإن من الفضائل لما تتفتق منها الأنفس جراء الأحقاد والعداوات التي تغذيها وتدب فيها نيران الحياة. يقول الضعيف لنفسه: "إن عجزي عن فعل الشر فضيلة تُحسَبُ لي، سلبيتي هذه نعمة سبغتها علي السماء". أما القوي فلا يقول، ولا يعقِّب باستنكار ينبع من دفائن نفسه على ما يفارق فضيلته من أفعال الآخرين، بل يكتفي بالاستحقار. وهذا فعلٌ ينطوي على الإقرار بدونية الحال الذي يعارض فضيلته. وليس للدونيّ أن يُكرَه في حكم العقلاء، ولا أن يرى بعين الخصومة أصلًا. إن الدونيّ، في حقيقته، حالة خارج مضمار الفضيلة، ولا يليق أن تقاس وفق أحكامها أصلًا.

لا تنفذُ الكراهية إلى نفس القوى، لأنه يرى فضيلته عالية، هناك في أعالي السماء! وعليه، فلا حرج على أولئك الساقطين ألا يبلغوها أبدًا. أما نفس الضعيف فمشتعلة بالكراهية، إذ فضيلته موَّحدة ودونيّة، تنال من البشر جميعًا، ولا تنطوي على أي تسامٍ أو عظمة.

فضيلة القوي نزاع عسير المرام، بينما فضيلة الضعيف حقدٌ مزخرف يراد به النيل من الأخصام واجترار القيمة من مواضع الخور والتخاذل.
قد تعمل الكتابة في بعض الأحيان عمل الدواء الشافي لمشاعرنا المضطربة، إذ بها نخرج تلك الفوضى الداخلية التي تهيمن علينا وتخضعنا لأمواجها المضطربة في صورة لغة سطحية (مفهومة) توهمنا أننا أحطنا بها وقبضنا عليها بأيدينا، فتغدو الذات التي كانت موضوع هذه الفوضى هي المهيمنة، وتنسب إليها ما شعرت أولًا أنها منسوبة إليه.
والغالب أن قدرًا عظيمًا من اللوم الأخلاقي مساقٌ بالحسد.
وحدهم أولئك الذين وهبتهم الطبيعية حساسية عالية للآلام واللذات قادرون على تجلية معاناتهم في صورٍ جمالية، أما المتينون بالفطرة فمعاناتهم لا تنفذ إلى أعماق ذواتهم، ولا تمس دواخلهم أفاعيل الزمان.

النوع الثاني قادر على تحمل ما يفوق طاقة الأول، وأهون عليه أن يصبر ويتكبد الآلام دون تكلف أو مشقة، بيد أنه لا ينتفع بذلك بدرجة تسبق النوع الأول، فجروحه وإن زادت سهلة الشفاء، إذ أنها لا تمس إلا الأسطح.

أما الأول فكل الأشياء تمس روحه مباشرة، وتجعله عرضة لأعمق أنواع الآلام؛ إذ يسطر الزمان كافة حوادثه على بواطن ذاته فتغدو وكأنها خرائط للآلام التي اكتنفته. هذا يصبح الألم قرينًا لذاته ولا يغادرها أبدا، ومن هنا تتهيأ له فرصة تخريج معاناته في صورٍ مختلفة، أعلاها الفنون والمعارف.
خلو الحياة من المشكلات يخفي عن المرء مواطن قوته وضعفه ويبقيه في حالة آسرة من التغييب والتوهم؛ إذ تجلّي المشكلات للمرء ذاته الحقة مجردةً من كافة شباك الروابط والوسائل التي ينسجها المجتمع حوله. فالمشكلة، بحكم تعريفها، أمر يخص المرء نفسه أولًا؛ أمر يضعه أمام ذاته ويعريها من الأباطيل التي تخلقها حالة السكون، الجائز وصفها بالمميتة. لا يعني ذلك أن المشكلات مضادة للاستعانة عليها بالآخرين والوسائل المادية، لكن الفرق الذي تخلقه هو أنها تنقل المرء من حالة التيه اللاواعية التي يكون فيها موجودًا غير مدرك للفروق بين ذاته والآخرين إلى حالة الفصل القاطع بينهما.

في وقت المشكلة، التي يمكن تعريفها بأنها حالة اختلال الوضع القائم -المطمئن- يظهر الفرق بين ذاتي وامتداداتها الكامنة في روابطها الأصيلة التي لم تعد منفصمة عنها، كالمقربين والأصدقاء والوسائل المادية الممكن تطويعها بالمهارة، والأشياء الغريبة التي لا تنتمي إلى ذاتي؛ تلك الأشياء التي أنستني حالة التيه أنها غريبة عني أو معادية لي. وعليه، يجوز ان نعرف المشكلة بأنها الحيز الذي يظهر فيه الفرق بين ما ينتمي إلى وما لا ينتمي، بين ذاتي والآخرين حقًا.
إذا امتلكت عصا سحرية تستجيب لأمري فأقول للشيء كن فيكون لن أتردد في تحطيمها لحظة واحدة؛ لأنني إذا نفيت افتقاري وعجزي سأنفي إنسانيتي.
إن المرء يقتنع اقتناعاً راسخاً بخيار العزلة بعد تأكده بالبراهين المتتالية من أن الحياة العقلية والأخلاقية للغالبية العظمى من الناس شديدة البؤس والإنحدار ، وأسوأ ما فيها نواقصهم العقلية والنفسية التي تتجمع لتُخرج إلى حيز الوجود ظواهر بشرية تشمئز منها النفوس وتقشعر لها الأبدان وتجعل أي اختلاط بهم أمراً لا يُطاق.."

آرثر شوبنهاور
تشهد تجمعات الأطفال والمراهقين على حقيقة أن الإنسان لا يولد خيرًا ومحبًا للآخرين تمامًا وبعد ذلك يتم إفساده من المجتمع أو من أي كيان فوقي آخر، فتلك الفئات نظرًا لأنها محررة من المسؤولية التي تقيد سلوكيات الكبار وضامنة لإحساس عالٍ بالرعاية والأمان، وفوق ذلك، قادرة على التنصل من مسؤوليات الأفعال، تميل إلى التعبير بحريةً مطلقة أو شبه مطلقة عن أحاسيس الإنسان الفطرية تجاه الآخرين دون مواربة أو خجل. في هذه التجمعات يزدهر الإحساس الفطري بالتميز الخَلْقيّ والسلوكي عن الآخرين، ولا يخجل المتمايز من التعبير عن إحساسه بتميز الأشياء أو دونيتها كما يخجل الكبير، ولا تحجَّم الأحاسيس لتوافق نقطة التوازن التي تحقق الحد الأدنى من الرضى لجميع الأطراف. ولا يحدث عكس ذلك إلّا تحت تسلط الكبار الذين يورثون أساليبهم في قمع الأحاسيس لصغارهم.
سيتوقف النشر على هذه القناة نهائيا

طابت أيامكم
2024/06/25 16:58:29
Back to Top
HTML Embed Code: