Telegram Group Search
الحمد لله على بلوغ ذروة الشهر الكريم؛ لا كَبَتْ أعمالُكم عن مِرقاة القبول، ولا حادت عن ظُلَل مضاعفة الأجور، وكل عام وأسبابُ هنائكم ممدودة، وأيام أفراحكم منضودة، وجعل الله عيدكم عيدَ يُمنٍ وبركات.
فيكِ القوافي ومن عينيكِ أرويها
يا غُرة الغيدِ .. ها روحي؛ فهنّيها

أنتِ التفاتةُ عيدي إن أطلّ أيا
من افتديتُها بالدنيا وما فيها .. ♥️

وكلّ عامٍ وأنتِ: ديمةٌ هطلت
على حياتيَ فاخضرّت نواحيها
لامرأة أسديّة:

بنفسيَ من أهوى وأرعى وصالَه
وتُنقض مني بالمغيبِ وثائِقُهْ

حبيبٌ أبى إلا اطّراحي وبِغضتي
وفضّله عندي على الناس خالِقُهْ
يروى فيما يروى من أحاديث الشعراء أن البحتري قال عن نفسه: "كنت في حداثتي أروم الشعر، وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم، ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب، حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه، فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات، وأنت قليل الهموم صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات، إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر".

وهذا من أبي تمّام حُسن طوية وتمام سجية وخُلُق عال؛ إذ لم يضن على تلميذه بما يفعله في خاصة نفسه ويستعين به على افتعال شعره، فله من بائية:

يا خاطبًا مدحي إليه بجوده
ولقد خطبت قليلة الخُطّاب

خذها ابنة الفكر المهذّب في الدجى
والليل أسود رقعة الجلبابِ

فهو يمتدح قصيدته بأنها وليدة الأفكار المهذبة في هدأة الليل البهيم.

وكان محمود شاكر إذا استبهم عليه نفاذ الرأي: عدل بأفكاره إلى جنح الليل؛ لأنه أحصن لها وأجمع، يقول: "فإذا كان الليلُ، وهدأتِ النائرةُ، وأوى الناسُ إلى مضاجِعهم، واستكنت عقاربُ الحياةِ في أجحارِها، تفلتُّ من مكاني إلى غرفتي أُسدِلُ ستائرها وأغلِّقُ أبوابها ونوافذها، وأصنعُ لنفسي ليلًا مع الليل، وسكونا مع السكون، ثم أقعد متحفزا متجمعًا خاشِعًا أملأ عيني من ظلام أسود، ثم أدعُ أفكاري وعواطفي وأحلامي تتعارف بينها ساعة من زمان، حتى إذا ماجت النفس موجها بين المد والجزر، ثم قرَّت وسكنت، وعاد تيارها المتدفق رهوًا ساجيًا كسعادة الطفولة، دلفت إلى مكتبي أستعين الله على البلاء".
"إنك سائلي عمن تعاشره وتُخلص إليه، وتشتمل بسرك وعلانيتك عليه. وليس أحد أقمن بذاك منك إلا مَن إذا لم تكن لنفسك كان لك، وإذا كنت لنفسك كان معك؛ يجلو صدأ جهلك بعلمه، ويحسم مادة غيك برشده، وينفي عنك غش صدرك بنصحه، اصحب من إن قُلتَ صدقك، وإن سكتّ عذرك، وإن بذلت شكرك، وإن منعت سلم لك.

ولا تستبعدنّ وقوع من هذا نعته في البشر، وابدأ بنفسك وكن على ذاك؛ تجده على ذاك، ويجدك هو على ذاك .. وإنك لآخذ من الغرور بمجامعه إذا أحببتَ أن يكون غيرك لك، ولم تحب أن تكون أنت لغيرك".
ليس وقتٌ أحرى بربط الجأش وتقوية العزائم من هذا الوقت، فلا تأسَوا، ولا تجزعوا ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾.

ولا يذهبّن بكم الحزن كل مذهب، فإنما كان ما كان ﴿لِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ ۝ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمحَقَ الكافِرينَ﴾.

وإيّاكم أن يتملك الإياسُ من قلوبكم، وأن يقعد بكم الشعور بالعجز حيثُ أنتَم، فإنه وإن قصرت الأيادي عن غرس الخناجر؛ لم تخرس عن الدعاء الحناجر .. والدعاء ما الدعاء! وهل نسيتم ﴿إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم﴾؟!

فيا رب إليك لا إلى غيرك المفزع، وبك لا بسواك الأمن، ومنك لا من عَداك النصرة .. اللهم اقطع دابر اليهود واستأصل شأفتهم وفرق كلمتهم، واقصم قامتهم وعجل بدمارهم؛ اللهم شردهم في البلاد، واجعلهم عبرة للحاضر والباد، وأهلكهم بما أهلكت به ثمود وعاد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، إنك لهم لبالمرصاد.
رأيتُ فيما يرى اليقظانُ أُمَّتَنَا
قد سيمت الخسفَ، والتقتيلَ، والسَّبْيَا

فرُحتُ أطلبُ نومًا -غاب أيسرُه
عني- كراهةَ أن أَسْتَتْمِمَ الرُّؤْيَا

قال المفسّرُ لي: ذي بدعةٌ حَدَثَتْ ..
أمُسْلِمٌ يكره الإذلالَ والخِزيا؟!
"هل كلما عصفت بالشعب عاصفةٌ
هوجاء نستصرخ القرطاس والقلما؟!

ما سرّني ومضاء السيف يعوزني
أني ملكت لسانًا نافثا ضَرِما

دمٌ يفور على الأعقاب فائرهُ
مهانةٌ أرتضي كفوًا له الكَلِمَا



يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت
كيف ارتضيتِ خصيما ظالما حكما؟!

بالمدفع استشهدي إن كنت ناطقةً
أو رمتِ أن تُسمعي من يشتكي الصمما

وبالمظالم ردي عنك مظلمةً
أو لا .. فأحقر ما في الكون من ظُلما

سلي الحوادث والتاريخ هل عرفا
رأيا وحقا بغير القُوّة احتُرما؟!

لا تطلبي من يد الجبّار مرحمة
ضعي على هامةٍ جبّارةٍ قَدَمَا!"..
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرينَ﴾

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر (أي اشتد عليه) فزع إلى الصلاة.

وكان يدعو عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.

وكان من جملة دعائه على الأحزاب: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم.

ودعا يوم أُحد: اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق.

وقصّ الله عز وجل في كتابه أنه ﴿قالَ موسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيتَ فِرعَونَ وَمَلَأَهُ زينَةً وَأَموالًا فِي الحَياةِ الدُّنيا رَبَّنا لِيُضِلّوا عَن سَبيلِكَ رَبَّنَا اطمِس عَلى أَموالِهِم وَاشدُد عَلى قُلوبِهِم فَلا يُؤمِنوا حَتّى يَرَوُا العَذابَ الأَليمَ﴾.

وكان من دعاء خبيب بن عدي على المشركين: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبق (وفي رواية: ولا تغادر) منهم أحدا.
ربنا، إنّا عبيدك ونواصينا بيدك، وإنّا ضعفاء وأنت القويّ، وإنّا فقراء وأنت الغنيّ، لا حول لنا إلا بك، ولا قوة فينا إلا بك، نشكو إليك قلة حيلتنا، وتكالب الأعداء علينا، وعجزنا عن نصرة إخواننا.

ربنا، ليس بماضٍ فينا إلا حكمك، وليس بمغنٍ عنا شيء إلا عونك، فأيّد إخواننا بنصر من عندك، واكلأهم برعايتك، وأنجهم، والطف بهم، واحفظ عوراتهم، وآمن روعاتهم، واشرح صدورهم، وثبت أقدامهم، وارزقهم السكينة يا لطيف، يا رحيم.
ورد في الصحاح أنّ هرقلَ سأل أبا سفيان بن حرب عن قتالهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأجابه: أن الحرب سِجَال ودُوَل؛ ينال منهم وينالون منه .. فقال هرقل: فكذلك الرُّسل؛ تُبتلى ثم تكون لهم العاقبة.

فأبشروا بعقبى الخير ما تمسّكنا بالرسالة، ونحن الأعلون وإن دالت دولة الأسافل ظاهرًا، فهذه سنة الله مذ برأ الخليقةَ وتدافعَ الحقُّ والباطل.

ولا يعزبنّ عنكم أن المسلمَ مفتّلُ ربطِ الجأش عند النوائب، راسخُ القدم لا تقلّبه الأحزانُ ذات اليمين وذات الشمال؛

"ونفس الحُرّ تثبت للعوادي
وإن كانت ممزّعة الأديمِ

فما تدري الثباتَ سوى الرواسي
ولا تذرو الرياحُ سوى الهشيمِ".

والله غالب على أمره.
كلّ عامٍ وأنتم من الله في قُربى، وخيراته تُساق إليكم تترى، ولا زلتم في رغدٍ من العيش وغبطة؛ ما عجّت أصوات النُّسّاك بالتلبية، وما سحّت دماء النسائك بالتّضحية، وعيدكم مباركٌ، وعسى الله أن يعيده وغمامة السوء منقشعةٌ عن المسجد الأقصى وسائر ديار المسلمين.
أورد صاحب «نزهة الألباء» عن الفراء أنه قال: "دخلتُ على الكسائي يومًا وكان يبكي؛ فقلتُ له: ما يبكيك؟

فقال: هذا يحيى بن خالد يوجّه إليَّ ليُحضرني فيسألني عن الشيء.
فإن أبطأتُ في الجواب؛ لحقني منه عتب.
وإن بادرتُ؛ لم آمن الزلل!

قال الفراء: فقلتُ له: يا أبا الحسن مَن يعترض عليك؟ قُل ما شئت فأنت الكسائي!

فأخذ الكسائي لسانَه وقال: قطعه الله -إذن- إذا قلتُ ما لا أعلم".

هذا لمّا كان للعلم حِمى وحُرمة، ولحامليه ورَعٌ وخشية؛ قبل أن يتصدر كلُّ مهوّس بليد ويرتجل الكلام ببديهة باردة في أمور لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر! ثم يجد بعد ذلك تبعًا ينتحلون كلامَه، وينافحون عن هذره، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
شوقي إلى طابةَ الغراءِ مُتّقدُّ
وسيلُ عينيَ يحكي بعضَ ما أجدُ

كيف السبيل إليها؟
هل سَأَبْلُغُها؟
وقد تناءت بيَ الأغوارُ والنُّجُدُ

ما عدت أرجو سوى جوارِ ساكنها
فهل سيسعدني بما رجوتُ غَدُ؟

إني مشوقٌ إلى نفْحات روضتها
شوقًا إذا احتملته الأرضُ؛ ترتعدُ

أُعلّل النفس بالتسليم أُرسله
إلى الحبيب .. وإن لّا؛ غالني الكمَدُ

يارب صلِّ عليه كلما ابتهجت
مِن ذكره روحٌ ٱوْ ترطّبت كَبِدُ
إذا لقيتَ الشيخَ يبغّض إليك أهل العلم الذين جعل الله لهم لسان صدق في الآخِرين، ويورثك إساءة الظن بهم، ويعزل شعورك عن سواد الأمة الأعظم في غُربة متوهّمة، فحاذره واتقِ منه كما يُتقى شر الرجيم؛ فإنّ شيخك هذا شيطان في مِسلاخ إنسان .. فدع عنك زخارفَه، ودع بُنيّات الطريق، والزم غرز من يفتل فيك وشائج رَحِم العلم، ويربيك على إحسان الظن بأهله، وتعيش معه في بُسُط التآلف بسعيه إلى جمع الكلمة؛ فسِمَةُ أهل السنة أنهم "جماعة" يأخذ بعضهم بأيدي بعض، لا أفراد تتخالف قلوبُهم وتتضارب آراؤهم ويطعن كل منهم في خاصرة الآخر وظهره!
فافهم هذا دلني اللهُ وإياك على الهدى والرشاد.
اعترض الكرماني على البخاري في ترجمة إحدى الأبواب، وقال: "وفي الترجمة نوع تعجرف".

فعقب عليه ابن حجر ببيان وجه كلام البخاري في الترجمة، ثم قال: "فَأَيُّ عَجْرَفَةٍ فِي هَذَا؟!

وَالشَّارِحُ مِنْ شَأْنِهِ:
١- أَنْ يُوَجِّهَ كَلَامَ الْأَصْلِ مَهْمَا أَمْكَنَ.
٢- وَيَغْتِفَرَ الْقَدْرَ الْيَسِيرَ مِنَ الْخَلَلِ تَارَةً.
٣- وَيَحْمِلَهُ عَلَى النَّاسِخِ تَارَةً؛

وَكُلُّ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ الْكَثِيرِ الْبَاهِرِ، وَلَا سِيَّمَا مِثْلُ هَذَا الْكِتَابِ".

وهذا كلامٌ جليلٌ خَليقٌ بالوقوف عنده كثيرًا؛ فإن عليه مسحة من نور الأدب؛ تنير مسالك التعامل مع السادة وأهل الفضل.

فليس من فقه الشارح ولا من حقه أن يبادر إلى التخطئة، بل الواجب المتحتم عليه: توجيه مُشكل الكلام.
فإن تعذر عليه ذلك بعد بذل الوسع: حمل الخطأ فيه على من دونه.
فإن لم يجد بُدًّا تكلم بألطف عبارة وأحسن إشارة، وغمر تلك الزلة في بحور الحسنات.

وهذا منهج في التعامل مع العلماء في سائر الأحوال لا في الشروح وحسب، وبمقدار البعد عن هذه المسالك الزكية؛ يُحرم الطالب بركة العلم والانتفاع به .. رحم الله علماءنا، ونفعنا بهم، وسلكنا في زمرتهم، ويا ﴿رَبَّنَا اغفِر لَنا وَلِإِخوانِنَا الَّذينَ سَبَقونا بِالإيمانِ وَلا تَجعَل في قُلوبِنا غِلًّا لِلَّذينَ آمَنوا رَبَّنا إِنَّكَ رَءوفٌ رَحيمٌ﴾.
2024/07/04 19:43:11
Back to Top
HTML Embed Code: